12/3/2024 7:48:41 PM
موقع إخباري مستقل - منوع
الرئيسية
المحليات
عربي ودولي
الاقتصاد
الرياضة
صحة وطب
منوعات
آراء
الشريعة والحياة
محمد قواص
حزب الله .. الانكفاء إلى لبنان
5/15/2020
يختلف تعامل المجتمع الدولي مع ملف حزب الله عن الكيفية التي يقارب بها العالم الشأن الإيراني. يعلم الحزب ذلك، ويدرك أنه حتى العقوبات التي تفرضها واشنطن على الحزب سابقة على ولاية دونالد ترامب، وتكثفت في عهد سلفه باراك أوباما وطالت خصوصا شبكاته المالية داخل لبنان. وقد أدرك حزب الله أن الموقف الدولي يتبدل ويقترب رويدا رويدا من الموقف الأميركي المعادي له، وأن القرار الأخير لألمانيا بوضع الحزب، بجناحيه السياسي والعسكري، على قوائم الإرهاب مؤشر إلى أن عدد الدول التي ستسلك هذا المنحى سيزداد، وأن الاتحاد الأوروبي قد يذهب إلى اتخاذ قرار جماعي في هذا الصدد في ما لو زال تحفظ فرنسا حتى الآن. ولئن لا نقاش بأن أنشطة حزب الله وخياراته هي جزء أصيل من استراتيجية إيران العسكرية والاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، فإن كثيرا من أنشطته المتعلقة بمسائل الداخل اللبناني وحتى أمر تدخله العسكري في سوريا، لها حسابات دفاعية ذاتية تتعلق بأمن الحزب وديمومته واستقراره في لبنان. وقد برع حزب الله برشاقة في المناورة بين طبيعة كونه "مقاومة" يجوز لها ممارسة ما يخترق قوانين الدولة وأصول العلاقات الدولية، وطبيعة كونه حزبا سياسيا شرعيا لبنانيا له كتلته النيابية داخل البرلمان اللبناني وحصته داخل الحكومة والمؤسسات الإدارية العامة والبلديات. وكان واضحا من تلك الدينامية أن "فائض السلاح" الذي يمتلكه الحزب (والمفترض أن وجهته الأصلية ضد إسرائيل) يستخدم في الداخل لتخويف النظام السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني في البلد، وفرض الحزب نفسه على الطائفة الشيعية قدرا وحيدا لا بديل عنه. والحال أن حزب الله يقرأ التاريخ جيدا ويعلم أن مراحل الميليشيات والاستقواء بالسلاح ستنتهي يوما، وقد لا يكون هذا اليوم بعيدا، وهو لهذا السبب يسعى منذ سنوات إلى تحصين وجوده السياسي، ليس داخل المؤسسات السياسية فقط، بل داخل النظام السياسي اللبناني برمته. وقد أعيد في الآونة الأخيرة، ومن خلال حلفاء الحزب ومنابر قريبة منه، المطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي كان أمين عام الحزب، السيد حسن نصر الله، قد تحدث عن ضرورته قبل سنوات قبل أن يتوقف عن المطالبة به لاحقا. وقد أمسك حزب الله من خلال "فائض السلاح" بالمفاصل السياسية في لبنان، خصوصا وأن تحالفه مع "التيار الوطني الحر" بزعامة الجنرال ميشال عون منح الحزب الشيعي تغطية مسيحية داخلية كما لدى المحافل والعواصم الدولية. ووفق هذا الواقع بات مصير الحكومات في لبنان في تشكلها وبقائها وسقوطها رهن أجندة الحزب وحده. وكان واضحا أن الحزب الذي قاد انقلابا على حكومة سعد الحريري عام 2011 وأبعده عن الحكم والبلد لخمس سنوات، أقنع زعماء البلد (بما في ذلك الحريري) أن لبنان بات ملعب الحزب وأن أي دور داخل هذا الميدان لن يجري إلا بالاتفاق معه. والواضح أن حزب الله يزداد انكفاء إلى الداخل اللبناني وتوقا لتقوية نفوذه داخل المؤسسات الدستورية اللبنانية، خصوصا أن رهاناته كما رهانات طهران في سوريا باتت ضعيفة، وأن مستقبل النظام تحدده روسيا بالتفاهم مع المجتمع الدولي، كما أن الحرية التي تتمتع بها إسرائيل من قبل العالم في ضرب البنى التحتية العسكرية لحزب الله في سوريا، توحي بأن مكانة طهران وحزب الله في مستقبل سوريا باتت محدودة. وكان حزب الله -القلق على وضعه السياسي في لبنان- اعتبر أن الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في لبنان في 17 اكتوبر الماضي تمثل خطرا حقيقيا على سطوته على البلد، فأكثرَ من تخوينها واتهامها بالعمالة وتنفيذها لأجندات خارجية. وقد كان حزب الله مستعدا لدعم حكومة جديدة يرأسها سعد الحريري شرط أن يبقي نفوذه السياسي كاملا داخلها. وتمثل حكومة حسان دياب ملاذا آمنا لنفوذ حزب الله لحاجته إلى التحصّن تحت سقف حكومي شرعي يقيه الضغوط الدولية المضطردة. ولن يمانع الحزب بإسقاط هذه الحكومة واستبدالها بأخرى يشارك فيها الخصوم إذا ما تغيرت الظروف الإقليمية والدولية طالما أن الأمر يضمن له النفوذ الذي يحرص على صيانته. وبغض النظر عن الخطب الشعبوية التي يطلقها الحزب وزعيمه، وعلى الرغم من استمرار العقوبات الأميركية الموجعة ضده، إلا أن حزب الله يسعى إلى مخاطبة العالم، وواشنطن خصوصا، من خلال الحكومة الحالية، والإفصاح عن جانب "تسووي" لافت قد يمهد إلى تنازلات كبرى لطالما كانت من المحرمات في السابق. ولا يمكن هنا التقليل من أهمية إخلاء سبيل اللبناني حامل الجنسية الأميركية، عامر فاخوري (المتهم بالعمالة لإسرائيل)، من قبل محكمة عسكرية وحكومة خاضعتين لنفوذ الحزب. وليس مستبعدا، وفق هذا المعطى، الإذعان للضغوط الأميركية وإظهار مرونة ما في ملفات عديدة، لا سيما المتعلقة بالنزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، كما أن قرار الحكومة اللبنانية الأخير التفاوض مع صندوق النقد الدولي يأتي متناقضا مع لاءات سابقة كان أطلقها الحزب ضد هذه المؤسسة المالية التي "تعمل لصالح قوى الاستكبار".